بحـث
المواضيع الأخيرة
شبهات وردود حول الاسلام العظيم
صفحة 1 من اصل 1
شبهات وردود حول الاسلام العظيم
لماذا حارب النبي محمد ؟
ويجيب عن هذا السؤال رجل مسيحى هو “توماس كارليل”:
كانت نية هذا النبى قبل عام 622 م أن ينشر دينه بالحكمة والموعظة الحسنة وقد بذل فى سبيل ذلك كل جهد ، ولكنه وجد الظالمين لم يكتفوا برفض رسالته ودعوته ، بل عمدوا إلى إسكاته بشتى الطرق من تهديد ووعيد واضطهاد حتى لا ينشر دعوته.
وهذا ما دفعه إلى الدفاع عن نفسه والدفاع عن دعوته وكأن لسان حاله يقول: أما وقد أبت قريش إلا الحرب فلتنظر إذن أى قوم نحن ...
واستطرد قائلاً يرد على القائلين بأن هذا النبى نشر الإسلام بالسيف فيقول: “أرى أن الحق ينشر نفسه بأية طريقة حسبما تقتضيه الحال ... ألم تروا أن النصرانية كانت لا تأنف أن تستخدم السيف أحياناً ، وحسبكم ما فعله شارلمان بقبائل الساكسون ... أنا لا أحفل أكان انتشار الحق بالسيف أم باللسان أم بأية طريقة أخرى ... فلندع الحقائق تنشر سلطانها بالخطابة أو بالصحافة أو بالنار ... لندعها تكافح وتجاهد بأيديها وأرجلها وأظافرها فإنها لن تنهزم أبداً ... ولن يُهزم منها إلا ما يستحق الفناء ... ”.
ولنسأل السؤال بصورة أخرى: لقد حارب محمد أعداءه وقاوم من حاربوه وأعلنوا عليه الحرب. ولكن لماذا حارب المسلمون خارج ديارهم فى بلاد أخرى ، فقد اشتبكوا مع الفرس والروم فى معارك كبرى .. أليس ذلك دليل على اتهام الإسلام بالميل إلى العنف ، والاعتماد فى دعوته على السيف؟
نفهم من هذا السؤال أن السائل لا يفهم أن دعوة الإسلام دعوة عالمية منذ يومها الأول .. ولم تكن كدعوة الأنبياء السابقين أو دعوة عيسى عليهم جميعا السلام. فقد أمر عيسى عليه السلام حوارييه قائلاً : “لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ”. (متى 15 : 24)
“إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ.” (متى 10 : 5 – 6)
: 24 – 27)24ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ وَدَخَلَ بَيْتاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ 25لأَنَّ امْرَأَةً كَانَ بِابْنَتِهَا رُوحٌ نَجِسٌ سَمِعَتْ بِهِ فَأَتَتْ وَخَرَّتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. 26وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أُمَمِيَّةً وَفِي جِنْسِهَا فِينِيقِيَّةً سُورِيَّةً - فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُخْرِجَ الشَّيْطَانَ مِنِ ابْنَتِهَا. 27وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهَا: «دَعِي الْبَنِينَ أَوَّلاً يَشْبَعُونَ لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ». (مرقس 7 : 24 – 27)
أما الإسلام فدعوته عالمية، فقد قال الله تعالى: ( وما أرسلناك إلا كافة للناسِ بشيراً ونذيراً ) (س سبأ 28) ، وكذلك: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (س الأنبياء 107)
فالقول بخروج الروم أو الفرس أو غيرهم من نطاق هذه الدعوة يتعارض مع الحكمة الإلاهية فى إرسال نبيه ولا يتفق كذلك مع المعنى الواسع لرحمة الله التى تشمل جميع المخلوقات.
وهنا يطرح نفسه سؤال آخر: ألم يكن من الأليق عرض هذه الدعوة بالتفاهم بدلاً من اللجوء إلى القتال والحرب؟
هذا ما حدث بالفعل ، فقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم دعاة على أعلى درجة من الفهم وانضج والإلتزام بأقصى درجات الصدق والأمانة فى النقل
كان من أهم هؤلاء السفراء “عبد الله بن حذافة السهمى” سفير النبى إلى كسرى ملك الفرس، لقد كتب النبى إلى كسرى يقول له : “من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس ... سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . وأدعوك بدعاية الله عز وجل. فإنى رسول الله إلى الناس كلهم لأنذر
من كان حياً ويحق القول على الكافرين..أسلم. تسلم. فإن توليت فإنما عليك إثم المجوس..”
لقد جُنَّ جنون كسرى بعد قراءة هذه الرسالة. ثم مزقها .. وكتب إلى أمير اليمن التى كانت خاضعة له آنذاك قائلاً : “بلغنى أن رجلاً من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبى .. فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلى برأسه .. ثم ختم رسالته بقوله: أيكتب إلى هذا وهو عبدى”
وبالتالى أرسل أمير اليمن فارسين إلى النبى ومعهما كتاب كسرى فقدما إليه وقالا له: شاهنشاه بعث إلى الملك بازان يأمره أن يبعث إليك من يأتى بك .. فإن أبيت .. هلكت .. وأهلكت قومك .. وخسرت بلادك ..
إذن لقد أعلن ملك الفرس الحرب؟ وقد تعلم أى قوم نحن !!
أما بانسبة لقيصر فقد أرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم “دحية الكلبى” وقد كان أحكم من كسرى ملك الفرس لأنه كان عنده علم من الكتاب من النبوءات الكثيرة التى وردت فى التوراة والإنجيل تبشر بقرب ظهور النبى محمد عليه الصلاة والسلام.
تحدثنا الروايات إن قيصر عندما تسلم رسالة النبى صلى الله عليه وسلم بحث عن رجال من أهل مكة ليسألهم عن صاحب هذه الرسالة ، فلم يجد غير أبى سفيان – العدو الأكبر للنبى فى هذا الوقت – وجماعة معه.
فأمر قيصر أن يدنوا منه أكثرهم نسبا للرسول (وهو أبو سفيان) وأمر أن يجلس أصحاب أبى سفيان وراء ظهره. وقال لترجمانه: قل لأصحابه: إنى سائل هذا عن هذا الرجل (يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإن كذبن فكذبوه ..
واضطر أبو سفيان يومئذ لقول أن يصدقه حياءً أن يؤثر عنه الكذب – كما قال هو .. وكان رد قيصر حين انتهى من كل ما أراد أن يعرفه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن قال :
قلت لى: أنه ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث فى أنساب قومها.
وقلت لى: أن أحداً قبله لم يزعم ما قاله فلوكان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يتأسى بقول قيل قبله.
قلت لى: إنكم لم تتهموه مرة بالكذب. فعرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.
قلت لى: لم يكن من آبائه ملك أو سلطان. وإلا لقلت إنه رجل يطلب ملك أبيه.
قلت لى: إن ضعفاءَكم هم الذين اتبعوه وكذلك الضعفاء هم أتباع الرسل.
قلت لى: إن عدد أتباعه يزيدون. أقول لكم وكذلك الإيمان حتى يتم .
قلت لى: إنه لا يرتد أحد اتبعه ويرجع إلى دينه القديم. أقول لك وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
قلت لى: أن حربه وحربكم تكون دولاً. أقول لكم وكذلك الرسل تُبتلى ، ثم تكون لها العاقبة.
قلت لى: أنه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، وهذه صفات نبى قد كنت أعلم أنه خارج.
ولكن لم أظن أنه منكم .. وإن يكن حقاً ما قلت فيوشك هذا الرجل أن يملك موضع قدمى هاتين ..
والله لو أعلم أنى أخلص إليه لتجشمت لقاؤه .. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر فقرىء ، فإذا به:
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى .. أما بعد ..
فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فعليك إثم الأريسيين
(يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (آل عمران: 64)
كانت نية هذا النبى قبل عام 622 م أن ينشر دينه بالحكمة والموعظة الحسنة وقد بذل فى سبيل ذلك كل جهد ، ولكنه وجد الظالمين لم يكتفوا برفض رسالته ودعوته ، بل عمدوا إلى إسكاته بشتى الطرق من تهديد ووعيد واضطهاد حتى لا ينشر دعوته.
وهذا ما دفعه إلى الدفاع عن نفسه والدفاع عن دعوته وكأن لسان حاله يقول: أما وقد أبت قريش إلا الحرب فلتنظر إذن أى قوم نحن ...
واستطرد قائلاً يرد على القائلين بأن هذا النبى نشر الإسلام بالسيف فيقول: “أرى أن الحق ينشر نفسه بأية طريقة حسبما تقتضيه الحال ... ألم تروا أن النصرانية كانت لا تأنف أن تستخدم السيف أحياناً ، وحسبكم ما فعله شارلمان بقبائل الساكسون ... أنا لا أحفل أكان انتشار الحق بالسيف أم باللسان أم بأية طريقة أخرى ... فلندع الحقائق تنشر سلطانها بالخطابة أو بالصحافة أو بالنار ... لندعها تكافح وتجاهد بأيديها وأرجلها وأظافرها فإنها لن تنهزم أبداً ... ولن يُهزم منها إلا ما يستحق الفناء ... ”.
ولنسأل السؤال بصورة أخرى: لقد حارب محمد أعداءه وقاوم من حاربوه وأعلنوا عليه الحرب. ولكن لماذا حارب المسلمون خارج ديارهم فى بلاد أخرى ، فقد اشتبكوا مع الفرس والروم فى معارك كبرى .. أليس ذلك دليل على اتهام الإسلام بالميل إلى العنف ، والاعتماد فى دعوته على السيف؟
نفهم من هذا السؤال أن السائل لا يفهم أن دعوة الإسلام دعوة عالمية منذ يومها الأول .. ولم تكن كدعوة الأنبياء السابقين أو دعوة عيسى عليهم جميعا السلام. فقد أمر عيسى عليه السلام حوارييه قائلاً : “لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ”. (متى 15 : 24)
“إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ.” (متى 10 : 5 – 6)
: 24 – 27)24ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ وَدَخَلَ بَيْتاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ 25لأَنَّ امْرَأَةً كَانَ بِابْنَتِهَا رُوحٌ نَجِسٌ سَمِعَتْ بِهِ فَأَتَتْ وَخَرَّتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. 26وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أُمَمِيَّةً وَفِي جِنْسِهَا فِينِيقِيَّةً سُورِيَّةً - فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُخْرِجَ الشَّيْطَانَ مِنِ ابْنَتِهَا. 27وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهَا: «دَعِي الْبَنِينَ أَوَّلاً يَشْبَعُونَ لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ». (مرقس 7 : 24 – 27)
أما الإسلام فدعوته عالمية، فقد قال الله تعالى: ( وما أرسلناك إلا كافة للناسِ بشيراً ونذيراً ) (س سبأ 28) ، وكذلك: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (س الأنبياء 107)
فالقول بخروج الروم أو الفرس أو غيرهم من نطاق هذه الدعوة يتعارض مع الحكمة الإلاهية فى إرسال نبيه ولا يتفق كذلك مع المعنى الواسع لرحمة الله التى تشمل جميع المخلوقات.
وهنا يطرح نفسه سؤال آخر: ألم يكن من الأليق عرض هذه الدعوة بالتفاهم بدلاً من اللجوء إلى القتال والحرب؟
هذا ما حدث بالفعل ، فقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم دعاة على أعلى درجة من الفهم وانضج والإلتزام بأقصى درجات الصدق والأمانة فى النقل
كان من أهم هؤلاء السفراء “عبد الله بن حذافة السهمى” سفير النبى إلى كسرى ملك الفرس، لقد كتب النبى إلى كسرى يقول له : “من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس ... سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . وأدعوك بدعاية الله عز وجل. فإنى رسول الله إلى الناس كلهم لأنذر
من كان حياً ويحق القول على الكافرين..أسلم. تسلم. فإن توليت فإنما عليك إثم المجوس..”
لقد جُنَّ جنون كسرى بعد قراءة هذه الرسالة. ثم مزقها .. وكتب إلى أمير اليمن التى كانت خاضعة له آنذاك قائلاً : “بلغنى أن رجلاً من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبى .. فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلى برأسه .. ثم ختم رسالته بقوله: أيكتب إلى هذا وهو عبدى”
وبالتالى أرسل أمير اليمن فارسين إلى النبى ومعهما كتاب كسرى فقدما إليه وقالا له: شاهنشاه بعث إلى الملك بازان يأمره أن يبعث إليك من يأتى بك .. فإن أبيت .. هلكت .. وأهلكت قومك .. وخسرت بلادك ..
إذن لقد أعلن ملك الفرس الحرب؟ وقد تعلم أى قوم نحن !!
أما بانسبة لقيصر فقد أرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم “دحية الكلبى” وقد كان أحكم من كسرى ملك الفرس لأنه كان عنده علم من الكتاب من النبوءات الكثيرة التى وردت فى التوراة والإنجيل تبشر بقرب ظهور النبى محمد عليه الصلاة والسلام.
تحدثنا الروايات إن قيصر عندما تسلم رسالة النبى صلى الله عليه وسلم بحث عن رجال من أهل مكة ليسألهم عن صاحب هذه الرسالة ، فلم يجد غير أبى سفيان – العدو الأكبر للنبى فى هذا الوقت – وجماعة معه.
فأمر قيصر أن يدنوا منه أكثرهم نسبا للرسول (وهو أبو سفيان) وأمر أن يجلس أصحاب أبى سفيان وراء ظهره. وقال لترجمانه: قل لأصحابه: إنى سائل هذا عن هذا الرجل (يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإن كذبن فكذبوه ..
واضطر أبو سفيان يومئذ لقول أن يصدقه حياءً أن يؤثر عنه الكذب – كما قال هو .. وكان رد قيصر حين انتهى من كل ما أراد أن يعرفه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن قال :
قلت لى: أنه ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث فى أنساب قومها.
وقلت لى: أن أحداً قبله لم يزعم ما قاله فلوكان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يتأسى بقول قيل قبله.
قلت لى: إنكم لم تتهموه مرة بالكذب. فعرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.
قلت لى: لم يكن من آبائه ملك أو سلطان. وإلا لقلت إنه رجل يطلب ملك أبيه.
قلت لى: إن ضعفاءَكم هم الذين اتبعوه وكذلك الضعفاء هم أتباع الرسل.
قلت لى: إن عدد أتباعه يزيدون. أقول لكم وكذلك الإيمان حتى يتم .
قلت لى: إنه لا يرتد أحد اتبعه ويرجع إلى دينه القديم. أقول لك وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
قلت لى: أن حربه وحربكم تكون دولاً. أقول لكم وكذلك الرسل تُبتلى ، ثم تكون لها العاقبة.
قلت لى: أنه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، وهذه صفات نبى قد كنت أعلم أنه خارج.
ولكن لم أظن أنه منكم .. وإن يكن حقاً ما قلت فيوشك هذا الرجل أن يملك موضع قدمى هاتين ..
والله لو أعلم أنى أخلص إليه لتجشمت لقاؤه .. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر فقرىء ، فإذا به:
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى .. أما بعد ..
فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فعليك إثم الأريسيين
(يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (آل عمران: 64)
منـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــقوووووووووووووووووول
Omneya- مشرف اول
- عدد المساهمات : 381
تاريخ التسجيل : 15/05/2011
الموقع : https://ataeet.forumegypt.net
الرد علي شبهة الجزية في الإسلام _ فوزي الغديري
هل الجزية اختراع اسلامى؟
يتحجج كثير من نقاد الإسلام بالجزية في وصفهم هذا الدين بعدم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، ويعتبرون الجزية سببا قويا لانتشار الإسلام باعتبار أن غير المسلمين يضطرون، حسب رأي هؤلاء النقاد، إلى دخول الإسلام هربا من دفع هذه الجزية. ومن خلال هذه الصورة المغلوطة التي تدل على مدى جهل هؤلاء النقاد بالحقيقة سيعتقد كل مصغي لهم الأمور التالية:
- أن الجزية بدعة إسلامية اخترعها المسلمون من أجل سرقة الشعوب.
- أن الجزية مبلغ طائل وتعجيزي لا يستطيع غير المسلمين دفعه مما يضطرهم لدخول الإسلام.
- أن الجزية يدفعها كل فرد من غير المسلمين مهما كان جنسه أو عمره أو حالته المادية والاجتماعية.
وهذه النقاط الثلاث ليست في الحقيقة سوى مغالطات كبرى يسعى النقاد إلى تثبيتها في عقول الناس من أجل تشويه صورة دين الله وتنفير الناس منه، بل وتحريضهم ضده. وسنرى في معرض هذا المحور كيف أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا لأنها وجدت في عهد اليهود وقد دفعها المسيح بنفسه، وسنرى كيف أن الجزية مبلغ زهيد جدا مقارنة بالزكاة التي يدفعها المسلمون، كما سنرى على من تفرض الجزية من بين غير المسلمين، فهي لا تفرض على كل فرد كما يحاول النقاد أن يُفهموا الناس. وسيتبين بذلك أن الجزية هي مشاركة بسيطة من طرف غير المسلمين تعفيهم من المشاركة في الخدمة العسكرية في الدولة التي أصبحوا جزءا منها.
يعرف قاموس الكتاب المقدس في موقع الأنبا تكلا[1] الجزية فيقول:
"(1) مال أو بضاعة أو خدمة تقدم من أمة أو من فرد لأمة أو الملك علامة الخضوع وقياماً بالنفقة (تكوين 49: 15 و قضاة 1: 28 و عزرا 4: 13 و اشعياء 31: 8 و متى 17: 25) ولما أراد الفريسيون أن يصطادوا المسيح ليجربوه فسألوه عن جواز دفع الجزية لقيصر فأجابهم بقوله المشهور ((أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله)) مبيناً بهذه الإجابة التمييز بين واجبين في دائرتين مختلفتين.
(2) جزية حسب الشريعة الموسوية عبارة عن درهمين كانت تفرض على كل نفس فوق سن العشرين ومقدارها نصف شاقل ينفق في سبيل خدمة خيمة الاجتماع (خروج 30: 13) ثم في أيام نحميا كان كل إسرائيلي يدفع جزية اختيارياً هو (ثلث) شاقل لنفقة الخدمة في الهيكل (نحميا 10: 32 و 33) ثم صار فيما بعد نصف شاقل كضريبة سنوية تجمع من كل يهودي جاوز العشرين من عمره في كل أنحاء العالم، وأما محاورة المسيح وبطرس في أمر الجزية التي دفعها المسيح في كفرناحوم فكان المقصود بها أن يوضح المسيح لبطرس أنه كان ممكناً أن يعفي (المسيح) من دفع الجزية لو شاء، لأنه ابن الله الذي كانت تدفع تلك الضرائب لخدمة بيته لكنه دفع الاستار لكي لا يعثر الشعب (متى 17: 24-27) وقد جعل الملك سليمان على الشعب جزية ثقيلة (1 ملو 12: 4) ويقول يوسيفوس المؤرخ أنه بعد خراب أورشليم ألزم الإمبراطور فاسيسيان جميع اليهود في أنحاء الإمبراطورية أن يدفعوا لهيكل جوبيتر في رومية، الدرهمين اللذين كانوا يدفعونهما سابقاً للهيكل."
أما قصة اليهود الفريسيون مع سيدنا عيسى والتي أشار إليها تعريف الجزية حسب قاموس الكتاب المقدس أعلاه، فتتمثل في كون أن اليهود كانوا يبحثون بشتى الوسائل عن طريقة يتخلصون بها من نبي الله عيسى بن مريم، فلم يجدوا طريقة غير إثبات عدم ولائه للدولة الرومانية غير الموحدة، فسألوه: "فقُلْ لنا ما رأيُكَ أيَحِلُّ لنا أنْ نَدفَعَ الجِزْيَةَ إلى القَيصَرِ أم لا" (متى 22 :17). لكن نتيجة تآمرهم لم تكن كما توقعوا: "فعرَفَ يَسوعُ مَكرَهُم، فقالَ لهُم يا مُراؤونَ لِماذا تُحاوِلونَ أنْ تُحْرِجوني، أرُوني نَقدَ الجِزْيةِ فناولوهُ دينارًا. فقالَ لهُم لِمَن هذِهِ الصّورَةُ وهذا الاسمُ، قالوا لِلقَيصَرِ فقالَ لهُم ادفَعوا، إذًا، إلى القَيصَرِ ما لِلقَيصَرِ، وإلى اللهِ ما للهِ" (متى 22: 17- 21، لوقا 20: 22- 25 )
وهكذا تبين بكل وضوح أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا، فقد كانت موجودة من قبل في عهد اليهود وفي زمن عيسى ابن مريم عليه السلام الذي كان يدفعها ويأمر بدفعها للإمبراطورية الرومانية التي لم تكن موحدة، لقد سمح المسيح بدفع الجزية إلى المشركين والوثنيين فكيف لا يسمح بدفعها للمسلمين الموحدين؟ لقد كانت الدولة الرومانية التي لم تكن تؤمن بالمسيحية في عهد سيدنا عيسى هي المسيطرة وصاحبة السلطة التي خضع لها اليهود والنصارى، وكانت دولة وثنية، ومع ذلك أمر المسيح أتباعه بدفع الجزية لها قائلا "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" مفرقا بذلك بين واجبين اثنين، بل وقدم الواجب نحو الدولة وإن كانت وثنية وذكرها قبل الواجب نحو الله الواحد الأحد! وقد تحدث الكتاب المقدس عن الجزية في أكثر من مناسبة فيما يلي البعض منها:
متى 22: 19: " أرُوني نَقدَ الجِزْيةِ فناولوهُ دينارًا " هنا قصة عيسى عليه السلام مع اليهود وقد ذكرناها.
رومية 13 :7 : "فأعطُوا كُلَّ واحدٍ حقَّهُ الضَّريبَةَ لِمَنْ لَه الضَّريبَةُ، والجزيَةَ لِمَنْ لَه الجزيَةُ، والمَهابَةَ لِمَنْ لَه المَهابَةُ، والإِكرامَ لِمَنْ لَه الإِكرامُ." وهذا أمر صريح بدفع الجزية وقد اعتبر ذلك حقا لمن تحق له الجزية، فقال " فأعطُوا كُلَّ واحدٍ حقَّهُ" وبدأ بذكر الجزية قبل غيرها، وقد رأينا حسب تعريف قاموس الكتاب المقدس للجزية أنها "مال أو بضاعة أو خدمة تقدم من أمة أو من فرد لأمة أو الملك علامة الخضوع وقياماً بالنفقة." إذا فالواجب دفع الجزية لمن تحق له وهي الدولة.
متى17: 25-26: "فأجابَ نعم. فلمّا دخَلَ بُطرُسُ إلى البَيتِ، عاجَلَهُ يَسوعُ بِقولِهِ ما رأيُكَ، يا سِمْعانُ مِمَّنْ يأخُذُ مُلوكُ الأرضِ الجِبايَةَ أو الجِزيَةَ أمِنْ أَبناءِ البِلادِ أم مِنَ الغُرَباءِ، فأجابَ بُطرُسُ مِنَ الغُرَباءِ. فقالَ لَه يَسوعُ إذًا، فالأبناءُ أحرارٌ في أمرِ إيفائِها." وهنا يتضح أنه حسب سيدنا عيسى عليه السلام نفسه، لا تؤخذ الجزية إلا من الأجانب، وهذا يعني أنه أمر عادي ولا يمكن وصفه بالعنصرية أو عدم العدل لأن ذلك اتهام لنبي الله عيسى نفسه بالظلم والعنصرية، وهذا مما لا يجوز. فعندما يأخذ المسلمون الجزية من غير المسلمين، فإن ذلك ليس ظلما لهم أو عنصرية في التعامل معهم وإنما هي نوع من الجباية التي يدفع المسلمون أكثر منها ولكن باسم مختلف هو الزكاة.
كما أن العهد القديم من الكتاب المقدس يتحدث عن الجزية وكيف أن سيدنا موسى عليه السلام يدفعها:
2أخبار 24عدد 9: "ونادَوْا في يَهوذا وأورُشَليمَ بأنْ يأْتوا إلَى الربِّ بجِزْيَةِ موسَى عَبْدِ الربِّ المَفْروضَةِ علَى إسرائيلَ في البَرِّيَّةِ."
وإسرائيل أخذ الجزية: قضاة1عدد 28 : "وكانَ لَمّا تشَدَّدَ إسرائيلُ أنَّهُ وضَعَ الكَنعانيِّينَ تحتَ الجِزيَةِ ولم يَطرُدهُمْ طَردًا."
ويوسف دفعها: قضاة1عدد 35: "فعَزَمَ الأموريّونَ علَى السَّكَنِ في جَبَلِ حارَسَ في أيَّلونَ وفي شَعَلُبِّيمَ. وقَوْيَتْ يَدُ بَيتِ يوسُفَ فكانوا تحتَ الجِزيَةِ."
وهوشع دفع الجزية: 2 ملوك 17عدد 3 : "وصَعِدَ علَيهِ شَلمَنأسَرُ مَلكُ أشّورَ، فصارَ لهُ هوشَعُ عَبدًا ودَفَعَ لهُ جِزيَةً."
ولا يكفي أن تدفع الجزية فحسب إن لم تكن يهوديا بل تخضع للعبودية مع حقوق مسلوبة، يشوع 16 عدد 10: "فَلَمْ يَطْرُدُوا الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ. فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أَفْرَايِمَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ, وَكَانُوا عَبِيداً تَحْتَ الْجِزْيَةِ"
وفي اقتباس أخير، سنرى كيف أن واجب طاعة الحاكم مقدس في العهد الجديد، وأن دفع الجزية هو حق لهذا الحاكم، فها هو بولس الرسول يأمر الناس بأن يطيعوا الحاكم الذي يحكم البلاد و بدفع الجزية في خضوع:
رومية 13عدد 1-7: "لتَخضَعْ كُلُّ نَفسٍ للسَّلاطينِ الفائقَةِ، لأنَّهُ ليس سُلطانٌ إلَّا مِنَ اللهِ، والسَّلاطينُ الكائنَةُ هي مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حتَّى إنَّ مَنْ يُقاوِمُ السُّلطانَ يُقاوِمُ ترتيبَ اللهِ، والمُقاوِمونَ سيأخُذونَ لأنفُسِهِمْ دَينونَةً. فإنَّ الحُكّامَ لَيسوا خَوفًا للأعمالِ الصّالِحَةِ بل للشّرّيرَةِ. أفَتُريدُ أنْ لا تخافَ السُّلطانَ؟ افعَلِ الصَّلاحَ فيكونَ لكَ مَدحٌ مِنهُ، لأنَّهُ خادِمُ اللهِ للصَّلاحِ! ولكن إنْ فعَلتَ الشَّرَّ فخَفْ، لأنَّهُ لا يَحمِلُ السَّيفَ عَبَثًا، إذ هو خادِمُ اللهِ، مُنتَقِمٌ للغَضَبِ مِنَ الَّذي يَفعَلُ الشَّرَّ. لذلك يَلزَمُ أنْ يُخضَعَ لهُ، ليس بسَبَبِ الغَضَبِ فقط، بل أيضًا بسَبَبِ الضَّميرِ. فإنَّكُمْ لأجلِ هذا توفونَ الجِزيَةَ أيضًا، إذ هُم خُدّامُ اللهِ مواظِبونَ على ذلك بعَينِهِ. فأعطوا الجميعَ حُقوقَهُمُ: الجِزيَةَ لمَنْ لهُ الجِزيَةُ. الجِبايَةَ لمَنْ لهُ الجِبايَةُ. والخَوفَ لمَنْ لهُ الخَوفُ. والإكرامَ لمَنْ لهُ الإكرامُ."
الجزية في الإسلام
أما في الإسلام، فإن الجزية تختلف عما تحاول بعض الأقلام السامة الترويج له، فهي مبلغ بسيط يكتب على الرجال القادرين على القتال فقط وتسقط عن النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني [2]. يقول المؤرخ آدم ميتز في كتابه ‘الحضارة الإسلامية’: "كان أهل الذمة يدفعون الجزية، كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون، وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار"[3]. وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد: "لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسي"[4]، أي ناهز الاحتلام. ولم يكن المبلغ المدفوع للجزية كبيراً تعجز عن دفعه الرجال، بل كان ميسوراً، لم يتجاوز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الدينار الواحد في كل سنة، فيما لم يتجاوز الأربعة دنانير سنوياً زمن الدولة الأموية. وهكذا سنرى أن الجزية لم تكن تفرض إلا على ثلث أهل الذمة أو أقل بما أنها لا تفرض على النساء والأطفال والعجز، وإنما على الرجال القادرين على القتال فقط. يقول الدكتور نبيل لوقا بباوي وهو باحث وكاتب مصري قبطي أرثوذكسي:"والجزية مبالغ زهيدة يعفى منها أكثر من سبعون بالمائة من الأشخاص أصحاب الديانات الأخرى، فيعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال والرهبان، وهي ليست عقوبة لعدم الدخول في الإسلام بل ضريبة لانتفاع غير المسلمين بالمرافق العامة، وضريبة دفاع عنهم من أي اعتداء خارجي، وهذا الاختيار يعني أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يردد بعض المستشرقين"[5]. فدفع الجزية كان يعفي غير المسلمين من فريضتين اثنتين فرضتا على المسلمين وهما القتال دفاعا عن البلاد والزكاة! فهل يعقل أن تكون الجزية عقابا أو ثقلا ينهك غير المسلمين ليتحولوا عن دينهم نحو الإسلام؟ هل يعقل أن يقدم غير المسلمين، بسبب الجزية، على دخول الإسلام وهم بدخولهم الإسلام يُلزمون بدفع الزكاة وهي أكبر من الجزية وبالقتال وفيه قد تتلف أرواحهم؟ ولو قارننا بين مقدار الجزية ومقدار الزكاة، سنجد أن الفرق كبير جدا. فإن كانت الجزية لا تتجاوز الأربعة دنانير في السنة في زمن الدولة الأموية، فإن الزكاة تعادل 2.5 بالمائة من المدخرات السنوية التي تعادل قيمتها على أقل تقدير عشرين مثقالا من الذهب كما حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما يعادل 1150 دولار أمريكيا إذا مضى عليها سنة كاملة دون استعمالها وهو ما يعرف بالنصاب[6]. وبذلك يدفع أقل من يدفع الزكاة ما يعادل 28 دولارا سنويا (2.5% من 1150 دولار). مع العلم أن من ادخر مبالغ أكثر من 1150 دولار طيلة سنة كاملة عليه أن يدفع 2.5% منها كزكاة. وتشمل الزكاة أيضا الأنعام وثمار الأرض والذهب والفضة وأموال التجارة وغيرها، وتحتسب منها الزكاة بطرق مختلفة ومعروفة.
إن الإسلام بفرض الجزية على غير المسلمين في الدولة الإسلامية لا يظلم أهل الذمة وإنما يعاملهم بلطف وعدل قل نظيره، فهذا دين الرحمة والعدل. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الذمة: "من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"[7]، وقد سار على هذا النهج أصحاب وأتباع نبي الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم عمر بن الخطاب الذي قال: "من لم يطق الجزية خففوا عنه، ومن عجز فأعينوه"[8]. وتأكيدا لمبدئه هذا فقد حدث مع عمر بن الخطاب أنه رأى شيخاً كبيراً من أهل الجزية يسأل الناس فقال: "ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك، ثم نأخذ منك الجزية"، ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير[9]، بل إنه في هذه الحالة يصبح من واجب الدولة الإسلامية تخصيص جراية لمواطنها غير المسلم العاجز عن التكفل بنفسه لسبب ما، وتأكيدا لذلك أرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول: "وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه"[10].
وفي عهد عمر بن الخطاب اتبعت الدولة الإسلامية الرفق والرحمة في جمع الجزية، فقد قَدِمَ أحد عمال عمر بن الخطاب عليه بأموال الجزية، فوجدها عمر كثيرة، فقال لعامله: "إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني"[11]. ولما تدانى الأجل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يفُته أن يوصي المسلمين برعاية أهل الذمة فقال: "أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتلوا من ورائهم، وألا يكلفوا فوق طاقتهم"[12].
خلاصة القول
فالخلاصة إذن، هي أن المسلمين قد كانوا حريصين كل الحرص على حسن معاملة غير المسلمين في دولتهم، على أن يقوم هؤلاء بواجبهم نحو هذه الدولة بدفع الجزية، وهي مبلغ زهيد يعفى من دفعه ثُلثا غير المسلمين. والقول أن الجزية فريضة ثقيلة أجبرت غير المسلمين على التخلي عن دينهم ودخول الإسلام هو قول لا يستحق إلا السخرية من قائليه، فأي ديانة هي هذه التي ينتسب إليها غير المسلمين حتى يتخلوا عنها بسبب دينار أو أربع دنانير تدفع في السنة؟؟ وكيف يتخلى هؤلاء عن دينهم ويتحولون إلى الإسلام فيدفعون الزكاة وهي أكبر من الجزية ويقاتلون مع المسلمين وقد يخسرون أرواحهم بذلك؟؟
ليست الجزية عقابا لغير المسلمين لأنهم غير مسلمين، وإنما ضريبة يعفى بدفعها غير المسلمين من القتال والمشاركة في الحرب وينعمون بحماية المسلمين، ولتوضيح هذه النقطة قام العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بإلقاء كلمة أمام ندوة قناة ‘اقرأ’ الفقهية الإعلامية الثامنة لتأصيل قضايا الإعلام والفن التي عقدت يومي 8 و 9 أكتوبر 2005 في جدة بغرب السعودية، ضمن محور مخاطبة غير المسلمين إعلامياً، تحت عنوان "الإسلام يرى البشرية أسرة واحدة"[13] وقال فيها:
"وزيادة في الإيضاح والبيان، ودفعا لكل شبهة، وردًّا لأية فرية، يسرني أن أسجل هنا ما كتبه المؤرخ المعروف سير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" عن الغرض من فرض الجزية وعلى من فُرضت. قال:
"ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين، كما يريدنا بعض الباحثين على الظن، لونا من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة. وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش، في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين. ولما قدم أهل الحيرة المال المتفق عليه، ذكروا صراحة أنهم دفعوا هذه الجزية على شريطة: ‘أن يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم’. كذلك حدث أن سجل خالد في المعاهدة التي أبرمها مع بعض أهالي المدن المجاورة للحيرة قوله: ‘فإن منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا’. ويمكن الحكم على مدى اعتراف المسلمين الصريح بهذا الشرط، من تلك الحادثة التي وقعت في عهد الخليفة عمر لما حشد الإمبراطور هرقل جيشا ضخما لصد قوات المسلمين المحتلة، كان لزاما على المسلمين، نتيجة لما حدث، أن يركزوا كل نشاطهم في المعركة التي أحدقت بهم. فلما علم بذلك أبو عبيدة قائد العرب كتب إلى عمال المدن المفتوحة في الشام يأمرهم برد ما جُبي من الجزية من هذه المدن، وكتب إلى الناس يقول: ‘إنما رددنا عليكم أموالكم؛ لأنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم.’ وبذلك ردت مبالغ طائلة من مال الدولة، فدعا المسيحيون بالبركة لرؤساء المسلمين، وقالوا: ‘ردكم الله علينا، ونصركم عليهم (أي على الروم) فلو كانوا هم، لم يردوا علينا شيئا، وأخذوا كل شيء بقي لنا’. وقد فرضت الجزية -كما ذكرنا- على القادرين من الذكور مقابل الخدمة العسكرية التي كانوا يُطالبون بها لو كانوا مسلمين، ومن الواضح أن أي جماعة مسيحية كانت تُعفى من أداء هذه الضريبة إذا ما دخلت في خدمة الجيش الإسلامي. وكانت الحال على هذا النحو مع قبيلة ‘الجراجمة’ وهي مسيحية كانت تقيم بجوار أنطاكية، سالمت المسلمين وتعهدت أن تكون عونا لهم، وأن تقاتل معهم في مغازيهم، على شريطة ألا تؤخذ بالجزية، وأن تعطى نصيبها من الغنائم. ولما اندفعت الفتوح الإسلامية إلى شمال فارس سنة 22هـ، أبرم مثل هذا الحلف مع إحدى القبائل التي تقيم على حدود تلك البلاد، وأعفيت من أداء الجزية مقابل الخدمة العسكرية. ونجد أمثلة شبيهة بهذه للإعفاء من الجزية في حالة المسيحيين الذين عملوا في الجيش أو الأسطول في ظل الحكم التركي. مثال ذلك ما عومل به أهل ميغاريا (Migaria) وهم جماعة من مسيحيي ألبانيا الذين أُعفوا من أداء هذه الضريبة على شريطة أن يقدموا جماعة من الرجال المسلحين لحراسة الدروب على جبال (cithaeron) و(Geraned) التي كانت تؤدي إلى خليج كورنته؛ وكان المسيحيون الذين استخدموا طلائع لمقدمة الفتح التركي، لإصلاح الطرق وإقامة الجسور، وقد أعفوا من أداء الخراج، ومنحوا هبات من الأرض المعفاة من جميع الضرائب. وكذلك لم يدفع أهالي (Hydra) المسيحيون ضرائب مباشرة للسلطان، وإنما قدموا مقابلها فرقة من مائتين وخمسين من أشداء رجال الأسطول، كان ينفق عليهم من بيت المال في تلك الناحية. وقد أعفي أيضا من الضريبة أهالي رومانيا الجنوبية الذين يطلقون عليهم (Armatioli) وكانوا يؤلفون عنصرًا هامًّا من عناصر القوة في الجيش التركي خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، ثم المرديون (Midrdites) وكان ذلك على شريطة أن يقدموا فرقة مسلحة في زمن الحرب. وبتلك الروح ذاتها لم تقرر جزية الرؤوس على نصارى الإغريق الذين أشرفوا على القناطر التي أمدت القسطنطينية بماء الشرب، ولا على الذين كانوا في حراسة مستودعات البارود في تلك المدينة؛ نظرًا إلى ما قدموه للدولة من خدمات. ومن جهة أخرى أعفي الفلاحون المصريون من الخدمة العسكرية على الرغم من أنهم كانوا على الإسلام. وفرضت عليهم الجزية في نظير ذلك كما فرضت على المسيحيين" [14].
وفي تلخيص لاقتباس القرضاوي عن المؤرخ توماس أرنولد، أريد أن ألفت النظر إلى نقاط عدة:
- تعامل أبو عبيدة قائد العرب مع مسيحيي مدن الشام وكيف أعاد لهم أموال الجزية لما علم أن المسلمين قد يعجزون عن صد قوات هرقل. ورد الجزية لغير المسلمين في هذا الموقف دليل كافٍ وواضح على أن الهدف من الجزية لم يكن أبد نهب الشعوب أو سرقتها أو إجبار الناس على دخول الإسلام. لقد أعاد المسلمون أموال الجزية إلى أصحابها عندما علموا عجزهم عن الدفاع عنهم وهذا هو هدف الجزية.
- إمكانية مشاركة قبائل وفرق عسكرية مسيحية القتال مع المسلمين أو تكليفهم بمهام عسكرية مقابل عدم دفع الجزية على أن يكون لهم نصيب في الغنائم، وقد حصل هذا فعلا كما رأينا. وهذا دليل آخر على أن الجزية يدفعها من لا يشارك في القتال ويعفى منها المقاتلون مع المسلمين من الملل الأخرى.
- أن المسلمين أنفسهم ملزمون بدفع الجزية في حال عدم مشاركتهم في الخدمة العسكرية. وهذا دليل قاطع أن الجزية لم يكن هدفها قط تحويل غير المسلمين عن دينهم أو نهب الشعوب أو غير ذلك من الافتراءات والأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة.
وهكذا قد تبين من خلال هذا الفصل الخاص بالجزية، وبالأدلة القاطعة التي لا مجال للطعن فيها، أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا وإنما هي امتداد لعادة دأبت شعوب وأديان سابقة على ممارستها كاليهود والنصارى الذين دفعوها للدولة الرومانية الوثنية، فلماذا يستنكر ويستهجن بعضهم أن يدفعها هؤلاء اليوم للدولة الإسلامية الموحدة التي تؤمن بأن اليهودية والمسيحية ديانتان من عند الله وتمجد أنبياءهما؟ لقد تبين أن غاية الجزية ليست نهب الشعوب وتحويل غير المسلمين عن دينهم، فقد دفعها المسلمون الذين لم يشاركوا في الخدمة العسكرية وردت إلى غير المسلمين عندما علم المسلمون عجزهم عن الدفاع عنهم ضد العدو. إن الجزية، بهذه الصورة، تعد هبة حقيقية لكل معرض عن الخدمة العسكرية، فهي تحفظ روحه من أن تزهق في الحروب مقابل مبلغ زهيد لا يساويها أبدا يدفع مرة واحدة في السنة! وهي ليست فريضة على غير المسلم الذي اختار الانخراط في الخدمة العسكرية، فأيهم أفضل لغير المسلمين؟ المشاركة في الحرب وتعريض النفس للتلف؟ أم دفع مبلغ زهيد لا يتعدى دينارات قليلة لا تساوي روحه في السنة عوضا عن الاحتمال الأول؟ كما أن الجزية ليست كما يحاول بعض المُغرضين تصويرها على أنها مبلغ يجب على الجميع دفعه من غير المسلمين، فقد رأينا وبشهادة كاتب مسيحي أرثوذكسي أن ما يقارب سبعين بالمائة من غير المسلمين لا يدفعون الجزية وهم ليسوا مجبرين على دفعها، بل إن الفقير الغير قادر على دفعها يعفى منها أو تخفف عنه!! وكل هذه التوضيحات عن الجزية هي إجابة كافية وشافية ليقتنع كل باحث عن الحقيقة بأن الجزية لم تكن أبدا سببا في انتشار الإسلام.
منقوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول
يتحجج كثير من نقاد الإسلام بالجزية في وصفهم هذا الدين بعدم المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، ويعتبرون الجزية سببا قويا لانتشار الإسلام باعتبار أن غير المسلمين يضطرون، حسب رأي هؤلاء النقاد، إلى دخول الإسلام هربا من دفع هذه الجزية. ومن خلال هذه الصورة المغلوطة التي تدل على مدى جهل هؤلاء النقاد بالحقيقة سيعتقد كل مصغي لهم الأمور التالية:
- أن الجزية بدعة إسلامية اخترعها المسلمون من أجل سرقة الشعوب.
- أن الجزية مبلغ طائل وتعجيزي لا يستطيع غير المسلمين دفعه مما يضطرهم لدخول الإسلام.
- أن الجزية يدفعها كل فرد من غير المسلمين مهما كان جنسه أو عمره أو حالته المادية والاجتماعية.
وهذه النقاط الثلاث ليست في الحقيقة سوى مغالطات كبرى يسعى النقاد إلى تثبيتها في عقول الناس من أجل تشويه صورة دين الله وتنفير الناس منه، بل وتحريضهم ضده. وسنرى في معرض هذا المحور كيف أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا لأنها وجدت في عهد اليهود وقد دفعها المسيح بنفسه، وسنرى كيف أن الجزية مبلغ زهيد جدا مقارنة بالزكاة التي يدفعها المسلمون، كما سنرى على من تفرض الجزية من بين غير المسلمين، فهي لا تفرض على كل فرد كما يحاول النقاد أن يُفهموا الناس. وسيتبين بذلك أن الجزية هي مشاركة بسيطة من طرف غير المسلمين تعفيهم من المشاركة في الخدمة العسكرية في الدولة التي أصبحوا جزءا منها.
يعرف قاموس الكتاب المقدس في موقع الأنبا تكلا[1] الجزية فيقول:
"(1) مال أو بضاعة أو خدمة تقدم من أمة أو من فرد لأمة أو الملك علامة الخضوع وقياماً بالنفقة (تكوين 49: 15 و قضاة 1: 28 و عزرا 4: 13 و اشعياء 31: 8 و متى 17: 25) ولما أراد الفريسيون أن يصطادوا المسيح ليجربوه فسألوه عن جواز دفع الجزية لقيصر فأجابهم بقوله المشهور ((أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله)) مبيناً بهذه الإجابة التمييز بين واجبين في دائرتين مختلفتين.
(2) جزية حسب الشريعة الموسوية عبارة عن درهمين كانت تفرض على كل نفس فوق سن العشرين ومقدارها نصف شاقل ينفق في سبيل خدمة خيمة الاجتماع (خروج 30: 13) ثم في أيام نحميا كان كل إسرائيلي يدفع جزية اختيارياً هو (ثلث) شاقل لنفقة الخدمة في الهيكل (نحميا 10: 32 و 33) ثم صار فيما بعد نصف شاقل كضريبة سنوية تجمع من كل يهودي جاوز العشرين من عمره في كل أنحاء العالم، وأما محاورة المسيح وبطرس في أمر الجزية التي دفعها المسيح في كفرناحوم فكان المقصود بها أن يوضح المسيح لبطرس أنه كان ممكناً أن يعفي (المسيح) من دفع الجزية لو شاء، لأنه ابن الله الذي كانت تدفع تلك الضرائب لخدمة بيته لكنه دفع الاستار لكي لا يعثر الشعب (متى 17: 24-27) وقد جعل الملك سليمان على الشعب جزية ثقيلة (1 ملو 12: 4) ويقول يوسيفوس المؤرخ أنه بعد خراب أورشليم ألزم الإمبراطور فاسيسيان جميع اليهود في أنحاء الإمبراطورية أن يدفعوا لهيكل جوبيتر في رومية، الدرهمين اللذين كانوا يدفعونهما سابقاً للهيكل."
أما قصة اليهود الفريسيون مع سيدنا عيسى والتي أشار إليها تعريف الجزية حسب قاموس الكتاب المقدس أعلاه، فتتمثل في كون أن اليهود كانوا يبحثون بشتى الوسائل عن طريقة يتخلصون بها من نبي الله عيسى بن مريم، فلم يجدوا طريقة غير إثبات عدم ولائه للدولة الرومانية غير الموحدة، فسألوه: "فقُلْ لنا ما رأيُكَ أيَحِلُّ لنا أنْ نَدفَعَ الجِزْيَةَ إلى القَيصَرِ أم لا" (متى 22 :17). لكن نتيجة تآمرهم لم تكن كما توقعوا: "فعرَفَ يَسوعُ مَكرَهُم، فقالَ لهُم يا مُراؤونَ لِماذا تُحاوِلونَ أنْ تُحْرِجوني، أرُوني نَقدَ الجِزْيةِ فناولوهُ دينارًا. فقالَ لهُم لِمَن هذِهِ الصّورَةُ وهذا الاسمُ، قالوا لِلقَيصَرِ فقالَ لهُم ادفَعوا، إذًا، إلى القَيصَرِ ما لِلقَيصَرِ، وإلى اللهِ ما للهِ" (متى 22: 17- 21، لوقا 20: 22- 25 )
وهكذا تبين بكل وضوح أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا، فقد كانت موجودة من قبل في عهد اليهود وفي زمن عيسى ابن مريم عليه السلام الذي كان يدفعها ويأمر بدفعها للإمبراطورية الرومانية التي لم تكن موحدة، لقد سمح المسيح بدفع الجزية إلى المشركين والوثنيين فكيف لا يسمح بدفعها للمسلمين الموحدين؟ لقد كانت الدولة الرومانية التي لم تكن تؤمن بالمسيحية في عهد سيدنا عيسى هي المسيطرة وصاحبة السلطة التي خضع لها اليهود والنصارى، وكانت دولة وثنية، ومع ذلك أمر المسيح أتباعه بدفع الجزية لها قائلا "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" مفرقا بذلك بين واجبين اثنين، بل وقدم الواجب نحو الدولة وإن كانت وثنية وذكرها قبل الواجب نحو الله الواحد الأحد! وقد تحدث الكتاب المقدس عن الجزية في أكثر من مناسبة فيما يلي البعض منها:
متى 22: 19: " أرُوني نَقدَ الجِزْيةِ فناولوهُ دينارًا " هنا قصة عيسى عليه السلام مع اليهود وقد ذكرناها.
رومية 13 :7 : "فأعطُوا كُلَّ واحدٍ حقَّهُ الضَّريبَةَ لِمَنْ لَه الضَّريبَةُ، والجزيَةَ لِمَنْ لَه الجزيَةُ، والمَهابَةَ لِمَنْ لَه المَهابَةُ، والإِكرامَ لِمَنْ لَه الإِكرامُ." وهذا أمر صريح بدفع الجزية وقد اعتبر ذلك حقا لمن تحق له الجزية، فقال " فأعطُوا كُلَّ واحدٍ حقَّهُ" وبدأ بذكر الجزية قبل غيرها، وقد رأينا حسب تعريف قاموس الكتاب المقدس للجزية أنها "مال أو بضاعة أو خدمة تقدم من أمة أو من فرد لأمة أو الملك علامة الخضوع وقياماً بالنفقة." إذا فالواجب دفع الجزية لمن تحق له وهي الدولة.
متى17: 25-26: "فأجابَ نعم. فلمّا دخَلَ بُطرُسُ إلى البَيتِ، عاجَلَهُ يَسوعُ بِقولِهِ ما رأيُكَ، يا سِمْعانُ مِمَّنْ يأخُذُ مُلوكُ الأرضِ الجِبايَةَ أو الجِزيَةَ أمِنْ أَبناءِ البِلادِ أم مِنَ الغُرَباءِ، فأجابَ بُطرُسُ مِنَ الغُرَباءِ. فقالَ لَه يَسوعُ إذًا، فالأبناءُ أحرارٌ في أمرِ إيفائِها." وهنا يتضح أنه حسب سيدنا عيسى عليه السلام نفسه، لا تؤخذ الجزية إلا من الأجانب، وهذا يعني أنه أمر عادي ولا يمكن وصفه بالعنصرية أو عدم العدل لأن ذلك اتهام لنبي الله عيسى نفسه بالظلم والعنصرية، وهذا مما لا يجوز. فعندما يأخذ المسلمون الجزية من غير المسلمين، فإن ذلك ليس ظلما لهم أو عنصرية في التعامل معهم وإنما هي نوع من الجباية التي يدفع المسلمون أكثر منها ولكن باسم مختلف هو الزكاة.
كما أن العهد القديم من الكتاب المقدس يتحدث عن الجزية وكيف أن سيدنا موسى عليه السلام يدفعها:
2أخبار 24عدد 9: "ونادَوْا في يَهوذا وأورُشَليمَ بأنْ يأْتوا إلَى الربِّ بجِزْيَةِ موسَى عَبْدِ الربِّ المَفْروضَةِ علَى إسرائيلَ في البَرِّيَّةِ."
وإسرائيل أخذ الجزية: قضاة1عدد 28 : "وكانَ لَمّا تشَدَّدَ إسرائيلُ أنَّهُ وضَعَ الكَنعانيِّينَ تحتَ الجِزيَةِ ولم يَطرُدهُمْ طَردًا."
ويوسف دفعها: قضاة1عدد 35: "فعَزَمَ الأموريّونَ علَى السَّكَنِ في جَبَلِ حارَسَ في أيَّلونَ وفي شَعَلُبِّيمَ. وقَوْيَتْ يَدُ بَيتِ يوسُفَ فكانوا تحتَ الجِزيَةِ."
وهوشع دفع الجزية: 2 ملوك 17عدد 3 : "وصَعِدَ علَيهِ شَلمَنأسَرُ مَلكُ أشّورَ، فصارَ لهُ هوشَعُ عَبدًا ودَفَعَ لهُ جِزيَةً."
ولا يكفي أن تدفع الجزية فحسب إن لم تكن يهوديا بل تخضع للعبودية مع حقوق مسلوبة، يشوع 16 عدد 10: "فَلَمْ يَطْرُدُوا الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ. فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أَفْرَايِمَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ, وَكَانُوا عَبِيداً تَحْتَ الْجِزْيَةِ"
وفي اقتباس أخير، سنرى كيف أن واجب طاعة الحاكم مقدس في العهد الجديد، وأن دفع الجزية هو حق لهذا الحاكم، فها هو بولس الرسول يأمر الناس بأن يطيعوا الحاكم الذي يحكم البلاد و بدفع الجزية في خضوع:
رومية 13عدد 1-7: "لتَخضَعْ كُلُّ نَفسٍ للسَّلاطينِ الفائقَةِ، لأنَّهُ ليس سُلطانٌ إلَّا مِنَ اللهِ، والسَّلاطينُ الكائنَةُ هي مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حتَّى إنَّ مَنْ يُقاوِمُ السُّلطانَ يُقاوِمُ ترتيبَ اللهِ، والمُقاوِمونَ سيأخُذونَ لأنفُسِهِمْ دَينونَةً. فإنَّ الحُكّامَ لَيسوا خَوفًا للأعمالِ الصّالِحَةِ بل للشّرّيرَةِ. أفَتُريدُ أنْ لا تخافَ السُّلطانَ؟ افعَلِ الصَّلاحَ فيكونَ لكَ مَدحٌ مِنهُ، لأنَّهُ خادِمُ اللهِ للصَّلاحِ! ولكن إنْ فعَلتَ الشَّرَّ فخَفْ، لأنَّهُ لا يَحمِلُ السَّيفَ عَبَثًا، إذ هو خادِمُ اللهِ، مُنتَقِمٌ للغَضَبِ مِنَ الَّذي يَفعَلُ الشَّرَّ. لذلك يَلزَمُ أنْ يُخضَعَ لهُ، ليس بسَبَبِ الغَضَبِ فقط، بل أيضًا بسَبَبِ الضَّميرِ. فإنَّكُمْ لأجلِ هذا توفونَ الجِزيَةَ أيضًا، إذ هُم خُدّامُ اللهِ مواظِبونَ على ذلك بعَينِهِ. فأعطوا الجميعَ حُقوقَهُمُ: الجِزيَةَ لمَنْ لهُ الجِزيَةُ. الجِبايَةَ لمَنْ لهُ الجِبايَةُ. والخَوفَ لمَنْ لهُ الخَوفُ. والإكرامَ لمَنْ لهُ الإكرامُ."
الجزية في الإسلام
أما في الإسلام، فإن الجزية تختلف عما تحاول بعض الأقلام السامة الترويج له، فهي مبلغ بسيط يكتب على الرجال القادرين على القتال فقط وتسقط عن النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني [2]. يقول المؤرخ آدم ميتز في كتابه ‘الحضارة الإسلامية’: "كان أهل الذمة يدفعون الجزية، كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون، وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار"[3]. وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد: "لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسي"[4]، أي ناهز الاحتلام. ولم يكن المبلغ المدفوع للجزية كبيراً تعجز عن دفعه الرجال، بل كان ميسوراً، لم يتجاوز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الدينار الواحد في كل سنة، فيما لم يتجاوز الأربعة دنانير سنوياً زمن الدولة الأموية. وهكذا سنرى أن الجزية لم تكن تفرض إلا على ثلث أهل الذمة أو أقل بما أنها لا تفرض على النساء والأطفال والعجز، وإنما على الرجال القادرين على القتال فقط. يقول الدكتور نبيل لوقا بباوي وهو باحث وكاتب مصري قبطي أرثوذكسي:"والجزية مبالغ زهيدة يعفى منها أكثر من سبعون بالمائة من الأشخاص أصحاب الديانات الأخرى، فيعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال والرهبان، وهي ليست عقوبة لعدم الدخول في الإسلام بل ضريبة لانتفاع غير المسلمين بالمرافق العامة، وضريبة دفاع عنهم من أي اعتداء خارجي، وهذا الاختيار يعني أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يردد بعض المستشرقين"[5]. فدفع الجزية كان يعفي غير المسلمين من فريضتين اثنتين فرضتا على المسلمين وهما القتال دفاعا عن البلاد والزكاة! فهل يعقل أن تكون الجزية عقابا أو ثقلا ينهك غير المسلمين ليتحولوا عن دينهم نحو الإسلام؟ هل يعقل أن يقدم غير المسلمين، بسبب الجزية، على دخول الإسلام وهم بدخولهم الإسلام يُلزمون بدفع الزكاة وهي أكبر من الجزية وبالقتال وفيه قد تتلف أرواحهم؟ ولو قارننا بين مقدار الجزية ومقدار الزكاة، سنجد أن الفرق كبير جدا. فإن كانت الجزية لا تتجاوز الأربعة دنانير في السنة في زمن الدولة الأموية، فإن الزكاة تعادل 2.5 بالمائة من المدخرات السنوية التي تعادل قيمتها على أقل تقدير عشرين مثقالا من الذهب كما حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما يعادل 1150 دولار أمريكيا إذا مضى عليها سنة كاملة دون استعمالها وهو ما يعرف بالنصاب[6]. وبذلك يدفع أقل من يدفع الزكاة ما يعادل 28 دولارا سنويا (2.5% من 1150 دولار). مع العلم أن من ادخر مبالغ أكثر من 1150 دولار طيلة سنة كاملة عليه أن يدفع 2.5% منها كزكاة. وتشمل الزكاة أيضا الأنعام وثمار الأرض والذهب والفضة وأموال التجارة وغيرها، وتحتسب منها الزكاة بطرق مختلفة ومعروفة.
إن الإسلام بفرض الجزية على غير المسلمين في الدولة الإسلامية لا يظلم أهل الذمة وإنما يعاملهم بلطف وعدل قل نظيره، فهذا دين الرحمة والعدل. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الذمة: "من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"[7]، وقد سار على هذا النهج أصحاب وأتباع نبي الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم عمر بن الخطاب الذي قال: "من لم يطق الجزية خففوا عنه، ومن عجز فأعينوه"[8]. وتأكيدا لمبدئه هذا فقد حدث مع عمر بن الخطاب أنه رأى شيخاً كبيراً من أهل الجزية يسأل الناس فقال: "ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك، ثم نأخذ منك الجزية"، ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير[9]، بل إنه في هذه الحالة يصبح من واجب الدولة الإسلامية تخصيص جراية لمواطنها غير المسلم العاجز عن التكفل بنفسه لسبب ما، وتأكيدا لذلك أرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول: "وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه"[10].
وفي عهد عمر بن الخطاب اتبعت الدولة الإسلامية الرفق والرحمة في جمع الجزية، فقد قَدِمَ أحد عمال عمر بن الخطاب عليه بأموال الجزية، فوجدها عمر كثيرة، فقال لعامله: "إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني"[11]. ولما تدانى الأجل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يفُته أن يوصي المسلمين برعاية أهل الذمة فقال: "أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتلوا من ورائهم، وألا يكلفوا فوق طاقتهم"[12].
خلاصة القول
فالخلاصة إذن، هي أن المسلمين قد كانوا حريصين كل الحرص على حسن معاملة غير المسلمين في دولتهم، على أن يقوم هؤلاء بواجبهم نحو هذه الدولة بدفع الجزية، وهي مبلغ زهيد يعفى من دفعه ثُلثا غير المسلمين. والقول أن الجزية فريضة ثقيلة أجبرت غير المسلمين على التخلي عن دينهم ودخول الإسلام هو قول لا يستحق إلا السخرية من قائليه، فأي ديانة هي هذه التي ينتسب إليها غير المسلمين حتى يتخلوا عنها بسبب دينار أو أربع دنانير تدفع في السنة؟؟ وكيف يتخلى هؤلاء عن دينهم ويتحولون إلى الإسلام فيدفعون الزكاة وهي أكبر من الجزية ويقاتلون مع المسلمين وقد يخسرون أرواحهم بذلك؟؟
ليست الجزية عقابا لغير المسلمين لأنهم غير مسلمين، وإنما ضريبة يعفى بدفعها غير المسلمين من القتال والمشاركة في الحرب وينعمون بحماية المسلمين، ولتوضيح هذه النقطة قام العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بإلقاء كلمة أمام ندوة قناة ‘اقرأ’ الفقهية الإعلامية الثامنة لتأصيل قضايا الإعلام والفن التي عقدت يومي 8 و 9 أكتوبر 2005 في جدة بغرب السعودية، ضمن محور مخاطبة غير المسلمين إعلامياً، تحت عنوان "الإسلام يرى البشرية أسرة واحدة"[13] وقال فيها:
"وزيادة في الإيضاح والبيان، ودفعا لكل شبهة، وردًّا لأية فرية، يسرني أن أسجل هنا ما كتبه المؤرخ المعروف سير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" عن الغرض من فرض الجزية وعلى من فُرضت. قال:
"ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين، كما يريدنا بعض الباحثين على الظن، لونا من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة. وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش، في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين. ولما قدم أهل الحيرة المال المتفق عليه، ذكروا صراحة أنهم دفعوا هذه الجزية على شريطة: ‘أن يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم’. كذلك حدث أن سجل خالد في المعاهدة التي أبرمها مع بعض أهالي المدن المجاورة للحيرة قوله: ‘فإن منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا’. ويمكن الحكم على مدى اعتراف المسلمين الصريح بهذا الشرط، من تلك الحادثة التي وقعت في عهد الخليفة عمر لما حشد الإمبراطور هرقل جيشا ضخما لصد قوات المسلمين المحتلة، كان لزاما على المسلمين، نتيجة لما حدث، أن يركزوا كل نشاطهم في المعركة التي أحدقت بهم. فلما علم بذلك أبو عبيدة قائد العرب كتب إلى عمال المدن المفتوحة في الشام يأمرهم برد ما جُبي من الجزية من هذه المدن، وكتب إلى الناس يقول: ‘إنما رددنا عليكم أموالكم؛ لأنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وأنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط، وما كتبنا بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم.’ وبذلك ردت مبالغ طائلة من مال الدولة، فدعا المسيحيون بالبركة لرؤساء المسلمين، وقالوا: ‘ردكم الله علينا، ونصركم عليهم (أي على الروم) فلو كانوا هم، لم يردوا علينا شيئا، وأخذوا كل شيء بقي لنا’. وقد فرضت الجزية -كما ذكرنا- على القادرين من الذكور مقابل الخدمة العسكرية التي كانوا يُطالبون بها لو كانوا مسلمين، ومن الواضح أن أي جماعة مسيحية كانت تُعفى من أداء هذه الضريبة إذا ما دخلت في خدمة الجيش الإسلامي. وكانت الحال على هذا النحو مع قبيلة ‘الجراجمة’ وهي مسيحية كانت تقيم بجوار أنطاكية، سالمت المسلمين وتعهدت أن تكون عونا لهم، وأن تقاتل معهم في مغازيهم، على شريطة ألا تؤخذ بالجزية، وأن تعطى نصيبها من الغنائم. ولما اندفعت الفتوح الإسلامية إلى شمال فارس سنة 22هـ، أبرم مثل هذا الحلف مع إحدى القبائل التي تقيم على حدود تلك البلاد، وأعفيت من أداء الجزية مقابل الخدمة العسكرية. ونجد أمثلة شبيهة بهذه للإعفاء من الجزية في حالة المسيحيين الذين عملوا في الجيش أو الأسطول في ظل الحكم التركي. مثال ذلك ما عومل به أهل ميغاريا (Migaria) وهم جماعة من مسيحيي ألبانيا الذين أُعفوا من أداء هذه الضريبة على شريطة أن يقدموا جماعة من الرجال المسلحين لحراسة الدروب على جبال (cithaeron) و(Geraned) التي كانت تؤدي إلى خليج كورنته؛ وكان المسيحيون الذين استخدموا طلائع لمقدمة الفتح التركي، لإصلاح الطرق وإقامة الجسور، وقد أعفوا من أداء الخراج، ومنحوا هبات من الأرض المعفاة من جميع الضرائب. وكذلك لم يدفع أهالي (Hydra) المسيحيون ضرائب مباشرة للسلطان، وإنما قدموا مقابلها فرقة من مائتين وخمسين من أشداء رجال الأسطول، كان ينفق عليهم من بيت المال في تلك الناحية. وقد أعفي أيضا من الضريبة أهالي رومانيا الجنوبية الذين يطلقون عليهم (Armatioli) وكانوا يؤلفون عنصرًا هامًّا من عناصر القوة في الجيش التركي خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، ثم المرديون (Midrdites) وكان ذلك على شريطة أن يقدموا فرقة مسلحة في زمن الحرب. وبتلك الروح ذاتها لم تقرر جزية الرؤوس على نصارى الإغريق الذين أشرفوا على القناطر التي أمدت القسطنطينية بماء الشرب، ولا على الذين كانوا في حراسة مستودعات البارود في تلك المدينة؛ نظرًا إلى ما قدموه للدولة من خدمات. ومن جهة أخرى أعفي الفلاحون المصريون من الخدمة العسكرية على الرغم من أنهم كانوا على الإسلام. وفرضت عليهم الجزية في نظير ذلك كما فرضت على المسيحيين" [14].
وفي تلخيص لاقتباس القرضاوي عن المؤرخ توماس أرنولد، أريد أن ألفت النظر إلى نقاط عدة:
- تعامل أبو عبيدة قائد العرب مع مسيحيي مدن الشام وكيف أعاد لهم أموال الجزية لما علم أن المسلمين قد يعجزون عن صد قوات هرقل. ورد الجزية لغير المسلمين في هذا الموقف دليل كافٍ وواضح على أن الهدف من الجزية لم يكن أبد نهب الشعوب أو سرقتها أو إجبار الناس على دخول الإسلام. لقد أعاد المسلمون أموال الجزية إلى أصحابها عندما علموا عجزهم عن الدفاع عنهم وهذا هو هدف الجزية.
- إمكانية مشاركة قبائل وفرق عسكرية مسيحية القتال مع المسلمين أو تكليفهم بمهام عسكرية مقابل عدم دفع الجزية على أن يكون لهم نصيب في الغنائم، وقد حصل هذا فعلا كما رأينا. وهذا دليل آخر على أن الجزية يدفعها من لا يشارك في القتال ويعفى منها المقاتلون مع المسلمين من الملل الأخرى.
- أن المسلمين أنفسهم ملزمون بدفع الجزية في حال عدم مشاركتهم في الخدمة العسكرية. وهذا دليل قاطع أن الجزية لم يكن هدفها قط تحويل غير المسلمين عن دينهم أو نهب الشعوب أو غير ذلك من الافتراءات والأكاذيب التي لا أساس لها من الصحة.
وهكذا قد تبين من خلال هذا الفصل الخاص بالجزية، وبالأدلة القاطعة التي لا مجال للطعن فيها، أن الجزية ليست اختراعا إسلاميا وإنما هي امتداد لعادة دأبت شعوب وأديان سابقة على ممارستها كاليهود والنصارى الذين دفعوها للدولة الرومانية الوثنية، فلماذا يستنكر ويستهجن بعضهم أن يدفعها هؤلاء اليوم للدولة الإسلامية الموحدة التي تؤمن بأن اليهودية والمسيحية ديانتان من عند الله وتمجد أنبياءهما؟ لقد تبين أن غاية الجزية ليست نهب الشعوب وتحويل غير المسلمين عن دينهم، فقد دفعها المسلمون الذين لم يشاركوا في الخدمة العسكرية وردت إلى غير المسلمين عندما علم المسلمون عجزهم عن الدفاع عنهم ضد العدو. إن الجزية، بهذه الصورة، تعد هبة حقيقية لكل معرض عن الخدمة العسكرية، فهي تحفظ روحه من أن تزهق في الحروب مقابل مبلغ زهيد لا يساويها أبدا يدفع مرة واحدة في السنة! وهي ليست فريضة على غير المسلم الذي اختار الانخراط في الخدمة العسكرية، فأيهم أفضل لغير المسلمين؟ المشاركة في الحرب وتعريض النفس للتلف؟ أم دفع مبلغ زهيد لا يتعدى دينارات قليلة لا تساوي روحه في السنة عوضا عن الاحتمال الأول؟ كما أن الجزية ليست كما يحاول بعض المُغرضين تصويرها على أنها مبلغ يجب على الجميع دفعه من غير المسلمين، فقد رأينا وبشهادة كاتب مسيحي أرثوذكسي أن ما يقارب سبعين بالمائة من غير المسلمين لا يدفعون الجزية وهم ليسوا مجبرين على دفعها، بل إن الفقير الغير قادر على دفعها يعفى منها أو تخفف عنه!! وكل هذه التوضيحات عن الجزية هي إجابة كافية وشافية ليقتنع كل باحث عن الحقيقة بأن الجزية لم تكن أبدا سببا في انتشار الإسلام.
منقوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول
Omneya- مشرف اول
- عدد المساهمات : 381
تاريخ التسجيل : 15/05/2011
الموقع : https://ataeet.forumegypt.net
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين مارس 10, 2014 6:07 am من طرف admin
» فن السموك اعمال يدوية
الأربعاء يناير 11, 2012 7:28 am من طرف admin
» نكت جامدة جدا
الأربعاء يناير 11, 2012 2:52 am من طرف وقل ربى زدنى علما
» خمس كلمات احذر ان تقولهم لطفلك
الإثنين ديسمبر 26, 2011 10:54 pm من طرف Omneya
» كيف يمكن التخفيف من الام التسنين عند الاطفال
الجمعة أكتوبر 28, 2011 4:04 am من طرف ahmed mohammed
» العلاقات بين الناس كالرمال بين الايدى
الجمعة أكتوبر 21, 2011 9:15 am من طرف admin
» ستاير قمة في الجمال
السبت أكتوبر 15, 2011 9:08 pm من طرف Omneya
» اجدد نكت 2012
السبت أكتوبر 15, 2011 8:58 pm من طرف Omneya
» أقوال رائعة عن قيام الليل
السبت أكتوبر 15, 2011 8:48 pm من طرف Omneya